
قصة مسائل في التوحيد:
يحكى: أن وفداً من الملحدين جاء إلى بغداد لمناقشة علماء المسلمين في الله جل جلاله، فطلبوا الشيخ حماد ( شيخ الإمام أبي حنيفة _ رضي الله عنهما _ )، وبينما هم والناس في انتظاره، إذ جاء الإمام أبو حنيفة، فحيى الحاضرين وقال:” إن الشيخ أكبر من أن يحضر هذا الاجتماع، وقد اختار أصغر تلامذته ليردّ على أسئلتكم “.
وما أن أخذ الإمام في مكانه في المجلس مع الوفد، حتى انهالت عليه الأسئلة:
قالوا: في أيّ سنةٍ ولدَ ربّك؟
فقال: الله لم يولد؛ وإلا كان له أبوان، ولم يلِد؛ وإلا كان له أولاد، والقرآن واضح في وصفه ومُحدَّد: { لم يلد ولم يولد }[الإخلاص:3].
قالوا: في أي سنة وُجِد ربّك؟
فقال: الله موجود قبل التاريخ والأزمنة والدّهور؛ لا أوّل لوجوده.
قالوا: نريد منك إعطاءنا في الجواب أمثلة من خلال الواقع المحسوس؟
فقال لهم: ماذا قبل الأربعة؟
قالوا: ثلاثة.
فقال: وماذا قبل الثلاثة؟
قالوا: اثنان.
فقال: وماذا قبل الاثنين؟
قالوا: الواحد؟
فقال: وماذا قبل الواحد؟
قالوا: لا شيء قبله.
فقال لهم: إذا كان الواحد الحسابي لا شيء قبله، فما بالكم بالواحد الحقيقي ( وهو الله ).
قالوا له: في أي جهة يتجه ربك؟
فقال لهم: لو أحضرتم مصباحاً في مكانٍ مظلم، ففي أي جهة يتجه النور؟
قالوا: يتجه في جميع الجهات.
فقال لهم: إذا كان هذا حال النور الصناعي هكذا، فما بالكم بنور السماوات والأرض؟[1]
قالوا: عَرِّفنا شيئاً عن ذات ربّك: أهي صلبة كالحديد، أم هي سائلة كالماء، أم هي غازية كالدخان والبخار؟
فقال لهم: هلا جلستم بجوار مريض مشرف على النزع الأخير؟
قالوا: جلسنا.
فقال: هل يكلمكم بعدما أسكته الموت؟
قالوا: كلا.
فقال: كان قبل الموت يتكلم، فصار بعد الموت ساكنا! وكان يتحرك فإذا به متجمداً! فما الذي غيّر حاله؟
قالوا: خروج روحه من جسده.
فقال: أخرجت روحه؟!
قالوا: نعم.
فقال: صِفوا لي هذه الروح: أهي صلبة كالحديد، أم هي سائلة كالماء، أم هي غازية كالدخان والبخار؟
قالوا: لا نعرف شيئاً عنها.
فقال لهم: إذا كانت الروح _ وهي مخلوقة _ لا يمكنكم الوصول إلى كنهها، أفتريدون مني أن أصف لكم الذّات الإلهيَّة؟!!
قالوا: في أي مكان ربك موجود؟
فقال لهم: لو أحضرتم كأساً مملوءة بحليب طازج، فهل في هذا الحليب من سمن؟
قالوا: نعم.
فقال: وأين يوجد السمن في الحليب؟
قالوا: ليس له مكان خاص، بل هو شائع في كل جزئيات الحليب.
فقال لهم: إذا كان الشيء المخلوق ( وهو السمن ) ليس له مكان خاص، أفتطلبون أن يكون للذات الإلهيّة مكان دون مكان؟ إن ذلك لعجيب!![2]
قالوا: إذا كانت كل الأمور مقدرة قبل أن يخلق الكون، فما صناعة ربك؟
فقال لهم: أمور يبديها، يرفع أقواماً ويخفض آخرين ..
قالوا: إذا كان لدخول الجنة أول، فكيف لا يكون لها آخر ونهاية، بل أهلها خالدون فيها؟
فقال لهم: الأرقام الحسابية لها أول وليس لها نهاية.
قالوا له: كيف نأكل في الجنة، ثم لا نتبول ولا نتغوط؟!
فقال لهم: أنا وأنتم وكل مخلوق، مكث في بطن أمه تسعة أشهر يتغذى من دماء أمه، ولا يتبول ولا يتغوط.
قالوا له: كيف يتأتى أن تزداد خيرات الجنة بالإنفاق منها، ولا يمكن أن تنتهي أو تنفد؟
فقال لهم: العلمُ كلما أنفقت منه ازداد ولم ينقص. [ موقع: دار الجنيد ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – هذا من باب إقامة الحجة بالتقريب، والمقصود: إثبات موجود من غير أن يكون في جهة، وليس المقصود أن الله جل جلاله في كل الجهات.
[2] – هذا مثل السابق، والمقصود منه: إثبات موجود من غير أن يكون في مكان، وليس المقصود أن الله جل جلاله في كل مكان.